كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ هَذِهِ الْأَنَاجِيلَ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ كَوْنِ عِيسَى خُلِقَ بِوَاسِطَةِ رُوحِ الْقُدُسِ، وَأَنَّ يَحْيَى خُلِقَ كَذَلِكَ وَكَانَ خَلْقُهُ آيَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، إِذْ كَانَ أَبُوهُ شَيْخًا كَبِيرًا وَأُمُّهُ عَاقِرًا، وَلَكِنَّ الْوَاسِطَةَ وَالسَّبَبَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُسَمَّى بِرُوحِ الْقُدُسِ، أَيَّدَهُمُ اللهُ بِهِ نِسَاءً وَرِجَالًا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَمِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَعَ هَذَا: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} يُفِيدُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ عَنِ التَّرْكِيبِ وَالتَّجَزُّؤِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ بِخَلْقِهِ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ تَلَامِيذَ الْمَسِيحِ أَنْفُسَهُمْ كَانُوا مُؤَيَّدِينَ بِرُوحِ الْقُدُسِ حَتَّى مَنْ طَرَدَهُ الْمَسِيحُ وَلَعَنَهُ مِنْهُمْ وَسَمَّاهُ شَيْطَانًا، وَقَدْ أَيَّدَ بِهِ مَنْ كَانَ دُونَهُمْ أَيْضًا.
عَلِمْنَا أَنَّ مُؤَلِّفِي الْأَنَاجِيلِ يَسْتَعْمِلُونَ كَلِمَةَ رُوحِ الْقُدُسِ اسْتِعْمَالًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَلَكِنَّ يُوحَنَّا قَدِ انْفَرَدَ بِعِبَارَاتٍ يُمْكِنُ إِرْجَاعُهَا إِلَى اسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ تَحْرِيفُهَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ كَمَا فَعَلُوا، فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرُّوحَ مُنْبَثِقٌ مِنَ الْآبِ وَإِنَّهُ عَيْنُ الْآبِ، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ يُوحَنَّا حِكَايَةً عَنِ الْمَسِيحِ: (15: 16 وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الْآبِ رُوحِ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي) أَصْلُ الِانْبِثَاقِ: أَنْ يَكْسِرَ الْمَاءُ مَا أَمَامَهُ مِنْ سَدٍّ عَلَى الشَّطِّ، وَيَفِيضُ عَلَى مَا وَرَاءَهُ، وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى فِي تَرْجَمَةِ الْبُرُوتُسْتَانْتِ يَخْرُجُ فَمِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ اسْتَنْبَطُوا عَقِيدَةً وَثَنِيَّةً تَنْقُضُهَا نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ فِي الْأَنَاجِيلِ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَفَرْقٌ بَيْنَ يَنْبَثِقُ مِنْ عِنْدِهِ وَبَيْنَ انْبَثَقَ مِنْهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَا تَدُلُّ عَلَى مَا زَعَمُوا أَيْضًا) وَهِيَ بِشَارَةٌ مِنَ الْمَسِيحِ بِمَنْ يُرْسِلُهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَهُ الَّذِي عَبَّرُوا عَنْهُ هُنَا بِالْمُعَزِّي، وَكَلِمَةُ الْمُعَزِّي تَرْجَمَةٌ لِلْبَارَقْلِيطِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ يُونَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا (مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدُ) وَتُقْرَأُ بِالِاسْتِقَامَةِ وَبِالْإِمَالَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي تَحْرِيفِهَا عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ إِلَى مَعْنَى الْمُعَزِّي الَّذِي قَالُوهُ، إِلَّا إِلَى لَيِّ اللِّسَانِ بِهَا لَيًّا قَلِيلًا، وَقَدْ تُرْجِمَتْ فِي إِنْجِيلِ بِرْنَابَا (بِمُحَمَّدٍ) فَكَانَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَوْضِعَ الِاسْتِغْرَابِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ظَانِّينَ أَنَّ بِرْنَابَا نَقَلَ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ نَطَقَ بِكَلِمَةِ مُحَمَّدٍ الْعَرَبِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَطَقَ بِتَرْجَمَتِهَا، وَمِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ تَرْجَمَةُ الْأَعْلَامِ وَالْأَلْقَابِ، عَلَى أَنَّ رُوحَ الْحَقِّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْمَاءِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَرَى فِي أَسْمَائِهِ الْمَسْرُودَةِ فِي دَلَائِلَ الْخَيْرَاتِ. وَقَدْ بَيَّنَ يُوحَنَّا فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِهِ تَفْصِيلًا عَنِ الْمَسِيحِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِبِشَارَتِهِ بِالْبَارَقْلِيطِ، مِنْهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ مِنَ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ لَا يَأْتِي الْبَارَقْلِيطُ، وَأَنَّهُ مَتَى جَاءَ يُبَكِّتُ الْعَالِمَ عَلَى الْخَطِيئَةِ وَعَلَى الْبِرِّ وَالْحِسَابِ (الدَّيْنُونَةِ) وَفَسَّرَ الْخَطِيئَةَ بِعَدِمِ الْإِيمَانِ بِهِ، أَيِ الْمَسِيحُ، وَمِنْهُ أَنَّهُ هُوَ- أَيِ الْمَسِيحُ- لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ؛ لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِمْ وَعَدَمِ طَاقَتِهِمُ الِاحْتِمَالَ، قَالَ: وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ (14) ذَاكَ يُمَجِّدُنِي؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. وَلَمْ يَجِئْ بَعْدَ الْمَسِيحِ أَحَدٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَبَّخَ النَّاسَ وَبَكَّتَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ وَعَلَى طَعْنِ بَعْضِهِمْ فِيهِ وَفِي أُمِّهِ، وَعَلَى غُلُوِّ طَائِفَةٍ فِيهِمَا وَجَعْلِهِمَا إِلَهَيْنِ مَعَ اللهِ، وَعَلَّمَ النَّاسَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ، وَأَخْبَرَ بِالْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ- لَمْ يَجِئْ أَحَدٌ بِكُلِّ هَذَا إِلَّا رُوحُ الْحَقِّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْبَثِقٌ مِنَ اللهِ أَيْ مُرْسَلٌ مِنْهُ لِإِحْيَاءِ النَّاسِ، كَمَا يُرْسِلُ اللهُ الْغَيْثَ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ شَبَّهَ بَعْثَتَهُ بِالْغَيْثِ الَّذِي تَأْخُذُ مِنْهُ كُلُّ أَرْضٍ بِحَسْبَ اسْتِعْدَادِهَا. فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةُ يُوحَنَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رُوحَ الْحَقِّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَهُ تَدُلُّ بِلَفْظِ الِانْبِثَاقِ عَلَى مَا قَالُوا، فَلْيَجْعَلُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأُقْنُومُ الثَّالِثُ أَوْ أُقْنُومًا رَابِعًا، وَيَنْتَقِلُوا مِنَ التَّثْلِيثِ إِلَى التَّرْبِيعِ، لَا، لَا أَقُولُ لَهُمْ أَصِرُّوا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَالتَّضْلِيلِ، بَلْ أَقُولُ لَهُمْ مَا قَالَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} إِلَخْ؛ أَيْ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمَعْقُولُ الَّذِي لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ النُّقُولُ، فَآمِنُوا بِاللهِ إِيمَانًا يَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ، فَرْدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، تَنَزَّهَ عَنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ، وَنِسْبَتِهَا إِلَيْهِ. وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَهُوَ الْخَالِقُ، وَمَمْلُوكَةٌ وَهُوَ الْمَالِكُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ فِي مَجْمُوعِ مُلْكِهِ أَقَلُّ مِنْ حَبَّةِ رَمْلٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَابِسِ مِنْهَا، وَمِنْ نُقْطَةِ مَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بِحَارِهَا وَأَنْهَارِهَا، فَمِنَ الْجَهْلِ الْفَاضِحِ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ نِدٌّ وَكُفْءٌ فِيهَا، أَوْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَلَّ أَوِ اتَّحَدَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَآمِنُوا بِرُسُلِهِ كُلِّهِمْ، كَمَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لَهُ خَصَّهُمْ بِضَرْبٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ الْوَحْيِ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ كَيْفَ يُوَحِّدُونَ رَبَّهُمْ وَيَعْبُدُونَهُ وَيَشْكُرُونَهُ، وَكَيْفَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيُصْلِحُونَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَلَا تَقُولُوا: الْآلِهَةُ ثَلَاثَةٌ: الْآبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ، أَوْ: اللهُ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ كُلٌّ مِنْهَا عَيْنُ الْآخَرِ، فَكُلٌّ مِنْهَا إِلَهٌ كَامِلٌ، وَمَجْمُوعُهَا إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَتُسَفِّهُوا أَنْفُسَكُمْ بِتَرْكِ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ الَّذِي هُوَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَالْقَوْلِ بِالتَّثْلِيثِ الَّذِي هُوَ عَقِيدَةُ الْوَثَنِيِّينَ الطَّغَامِ، ثُمَّ تَدَّعُوَا الْجَمْعَ بَيْنَ التَّثْلِيثِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ تُحِيلُهُ الْعُقُولُ وَلَا تَقْبَلُهُ الْأَفْهَامُ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ أَيِ انْتَهَوْا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ابْتَدَعْتُمُوهُ فِي دِينِ الْأَنْبِيَاءِ تَقْلِيدًا لِآبَائِكُمُ الْوَثَنِيِّينَ الْأَغْبِيَاءِ، يَكُنْ هَذَا الِانْتِهَاءُ خَيْرًا لَكُمْ، أَوِ انْتَهُوا عَنْهُ وَانْتَحِلُوا قَوْلًا آخَرَ خَيْرًا لَكُمْ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ بِتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ حَتَّى الْمَسِيحِ الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ إِلَهًا فَإِنَّ مِمَّا لَا تَزَالُونَ تَحْفَظُونَ عَنْهُ قَوْلَهُ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا: (وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلَهُ الْحَقِيقِيُّ وَحْدَكَ وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ).
{إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ وَلَا أَقَانِيمُ، وَلَا هُوَ مُرَكَّبٌ وَلَا مُتَّحِدٌ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَيْ تَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ كَمَا تَقُولُونَ فِي الْمَسِيحِ إِنَّهُ ابْنُهُ وَإِنَّهُ هُوَ عَيْنُهُ، فَإِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ لَهُ جِنْسٌ فَيَكُونَ لَهُ مِنْهُ زَوْجٌ يَقْتَرِنُ بِهَا فَتَلِدُ لَهُ ابْنًا، وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ لَفْظِ الْوَلَدِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، عَلَى لَفْظِ الِابْنِ الَّذِي يُعَبِّرُونَ بِهِ، هِيَ بَيَانُ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُرِيدُونَ الِابْنَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، فَلابد أَنْ يَكُونَ وَلَدًا، أَيْ مَوْلُودًا مِنْ تَلْقِيحِ أَبِيهِ لِأُمِّهِ، وَهَذَا مُحَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ ابْنٌ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً كَمَا أُطْلِقَ فِي كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ وَالْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَدَاوُدَ وَعَلَى صَانِعِي السَّلَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَخْيَارِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ دَخْلٌ فِي الْأُلُوهِيَّةِ، وَلَا يُعَدُّ مِنْ بَابِ الْخُصُوصِيَّةِ.
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أَيْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ خَاصٌّ مَوْلُودٌ مِنْهُ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى ابْنَهُ حَقِيقَةً، بَلْ لَهُ كُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَسِيحُ مِنْ جُمْلَتِهَا خَلَقَ كُلَّ ذَلِكَ خَلْقًا، وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ مِنْهَا وَإِدْرَاكٍ يَفْتَخِرُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَبْدًا {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [19: 93] لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ الصَّالِحِينَ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ التَّالِيَةُ لِهَذِهِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ خَلَقَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ كَالْمَلَائِكَةِ وَآدَمَ، وَمَنْ خُلِقَ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ كَحَوَّاءَ وَعِيسَى، وَمَنْ خُلِقَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، كُلُّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، عَبِيدٌ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ مُحْتَاجُونَ دَائِمًا إِلَى فَضْلِهِ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَمَا يَشَاءُ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا أَيْ بِهِ الْكِفَايَةُ لِمَنْ عَرَفَهُ وَعَرَفَ سُنَنَهُ فِي خَلْقِهِ إِذَا وَكَّلُوا إِلَيْهِ أُمُورَهُمْ، وَلَمْ يُحَاوِلُوا الْخُرُوجَ عَنْ سُنَنِهِ وَشَرَائِعِهِ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ.
فصل فِي عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ:
قُلْنَا: إِنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ وَثَنِيَّةٌ نَقَلَهَا الْوَثَنِيُّونَ الْمُتَنَصِّرُونَ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَفَسَّرُوا بَعْضَ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي كُتُبِهِمُ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُمْ شُبْهَةً يَتَّكِئُونَ عَلَيْهَا فِي هَذَا التَّضْلِيلِ، وَأَرْغَمُوهَا عَلَيْهِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، هَدَمُوا بِهِ آيَاتِ التَّوْحِيدِ الْقَوِيَّةِ الْبُنْيَانِ، الْعَالِيَةِ الْأَرْكَانِ؛ أَمَّا كَوْنُ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَثَنْيَةً، فَقَدْ بَيَّنَهُ عُلَمَاءُ أُورُبَّةَ بِالتَّفْصِيلِ، وَأَتَوْا عَلَيْهِ بِالشَّوَاهِدِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الْآثَارِ الْقَدِيمَةِ وَالتَّارِيخِ، وَإِنَّنَا نُشِيرُ إِلَى قَلِيلٍ مِنْهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ.
1- التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَرَاهِمَةِ:
قَالَ مُورِيسْ فِي (ص 35 مِنَ الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ مِنْ كِتَابِهِ: الْآثَارُ الْهِنْدِيَّةُ الْقَدِيمَةُ) مَا تَرْجَمَتُهُ: كَانَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُمَمِ الْوَثَنِيَّةِ الْبَائِدَةِ تَعَالِيمٌ دِينِيَّةٌ جَاءَ فِيهَا الْقَوْلُ بِاللَّاهُوتِ الثُّلَاثِيِّ، أَوِ الثَّالُوثِيِّ.
وَقَالَ دُوَانْ (فِي ص366 مِنْ كِتَابِهِ: خُرَافَاتُ التَّوْرَاةِ وَمَا يُمَاثِلُهَا فِي الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى) إِذَا رَجَّعْنَا الْبَصَرَ إِلَى الْهِنْدِ نَرَى أَنَّ أَعْظَمَ وَأَشْهَرَ عِبَادَتِهِمُ اللَّاهُوتِيَّةِ هُوَ التَّثْلِيثُ، وَيُسَمُّونَ هَذَا التَّعْلِيمَ بِلُغَتِهِمْ تري مورتي وَهِيَ عِبَارَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ بِلُغَتِهِمُ السِّنْسِكْرِيتِيَّةِ: (تري) وَمَعْنَاهَا ثَلَاثَةٌ، و(مورتي) وَمَعْنَاهَا هَيْئَاتٌ أَوْ أَقَانِيمُ، وَهِيَ بِرَهْمَا، وَفِشْنُو وَسِيفَا. ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ مُتَّحِدَةٍ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْوَحْدَةِ؛ فَهِيَ إِلَهٌ وَاحِدٌ (بِزَعْمِهِمْ).
وَقَدْ شَرَحَ الْمُؤَلِّفُ مَعْنَى هَذِهِ الْأُصُولِ أَوِ الْأَقَانِيمِ عِنْدَهُمْ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يَرْمُزُونَ إِلَيْهَا بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ وَهِيَ (أ. و. م) وَأَنَّهُمْ يَصِفُونَ هَذَا الثَّالُوثَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ فِي الْجَوْهَرِ وَلَا فِي الْفِعْلِ وَلَا فِي الِاتِّحَادِ، بِقَوْلِهِمْ: بِرَهْمَا الْمُمَثِّلُ لِمَبَادِئِ التَّكْوِينِ وَالْخَلْقِ، وَلَا يَزَالُ خَلَّاقًا إِلَهِيًّا، وَهُوَ (الْآبُ) وَفِشْنُو يُمَثِّلُ حِفْظَ الْأَشْيَاءِ الْمُكَوَّنَةِ (أَيْ مِنَ الزَّوَالِ وَالْفَسَادِ) وَهُوَ الِابْنُ الْمُنْبَثِقُ وَالْمُتَحَوِّلُ عَنِ اللَّاهُوتِيَّةِ، وَسِيفَا هُوَ الْمُهْلِكُ وَالْمُبِيدُ وَالْمُبْدِئُ وَالْمُعِيدُ (أَيِ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ وَالتَّحْوِيلُ فِي الْكَوْنِ) وَهُوَ (رُوحُ الْقُدُسِ) وَيَدْعُونَهُ (كِرِشْنَا) الرَّبُّ الْمُخَلِّصُ وَالرُّوحُ الْعَظِيمُ الَّذِي وُلِدَ مِنْهُ (فِشْنُو) الْإِلَهُ الَّذِي ظَهَرَ بِالنَّاسُوتِ عَلَى الْأَرْضِ لِيُخَلِّصَ النَّاسَ، فَهُوَ أَحَدُ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ.
إِلَى آخَرِ مَا قَالَ، وَمِنْهُ أَنَّهُمْ يَرْمُزُونَ لِلْأُقْنُومِ الثَّالِثِ بِصُورَةِ حَمَامَةٍ، وَهَذِهِ عَيْنُ عَقِيدَةِ النَّصَارَى فِي التَّثْلِيثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَهِيَ عَقِيدَةٌ بُرْهُمِيَّةٌ وَثَنِيَّةٌ، أَخَذَهَا النَّصَارَى عَنِ الْبَرَاهِمَةِ وَصَارُوا يَدْعُونَهُمْ أَخِيرًا إِلَيْهَا.
وَكَانَ مُنْتَهَى شَوْطِ أَحَدِ الْيَسُوعِيِّينَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ ثَالُوثَ الْبَرَاهِمَةِ وَأَمْثَالِهِمْ نَجِسٌ، وَثَالُوثَ النَّصَارَى مُقَدَّسٌ! فَإِذَا قَالَ لَهُمُ الْوَثَنِيُّونَ: الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَارْجِعُوا إِلَى الْأَصْلِ وَدَعُوا الْمُبْتَدَعَ. فَبِمَاذَا يَحُجُّونَهُمْ؟
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ أَصْلُ عَقِيدَةِ الْبَرَاهِمَةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ رَسُولٍ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَصَفَ لَهُمُ الْإِلَهَ بِثَلَاثِ صِفَاتٍ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا حَقِيقَةُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَهِيَ (1) مَا بِهِ الْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ، و(2) الْحِفْظُ وَالْإِمْدَادُ، و(3) التَّصَرُّفُ وَالتَّغْيِيرُ فِي عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ وَدَبَّتْ إِلَيْهِمُ الْوَثَنِيَّةُ، جَعَلُوا لِكُلِّ فِعْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ إِلَهًا، وَجَعَلُوا أَسْمَاءَ الصِّفَاتِ أَسْمَاءَ أَقَانِيمَ وَذَوَاتٍ، وَلَمَّا كَانُوا نَاقِلِينَ بِالتَّوَاتُرِ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ، وَأَنَّ اللهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، قَالُوا: إِنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَيْنُ الثَّلَاثَةِ. وَسَرَتْ هَذِهِ الْعَقِيدَةُ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ.
وَلِلْهُنُودِ تَمَاثِيلُ لِلْوَحْدَةِ وَالتَّثْلِيثِ، رَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْهَا فِي دَارِ الْعَادِيَاتِ الَّتِي بَنَتْهَا الْحُكُومَةُ الْهِنْدِيَّةُ الْإِنْكِلِيزِيَّةُ فِي ضَوَاحِي مَدِينَةِ بَنَارِسْ (الْمُقَدَّسَةِ عِنْدَ الْبَرَاهِمَةِ) وَهُوَ تِمْثَالٌ وَاحِدٌ لَهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ. وَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ مُورِيسْ (فِي ص372 مِنَ الْمُجَلَّدِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِهِ آثَارِ الْهِنْدِ الْقَدِيمَةِ): لَقَدْ وَجَدْنَا فِي أَنْقَاضِ هَيْكَلٍ قَدِيمٍ قَوَّضَهُ مُرُورُ الْقُرُونِ صَنَمًا لَهُ ثَلَاثَةُ رُءُوسٍ عَلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الرَّمْزُ لِلثَّالُوثِ.
2- التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبُوذِيِّينَ:
قَالَ مِسْتَرْ فابر فِي كِتَابِهِ (أَصْلُ الْوَثَنِيَّةِ): كَمَا نَجِدُ عِنْدَ الْهُنُودِ ثَالُوثًا مُؤَلَّفًا مِنْ بِرَهْمَا وَفِشْنُو وَسِيفَا، نَجِدُ عِنْدَ الْبُوذِيِّينَ ثَالُوثًا، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ (بُوذَهْ)
إِلَهٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ، وَكَذَلِكَ بُوذِيُّو (جِينِسْتَ) يَقُولُونَ: إِنَّ (جِيَفَا) مُثَلَّثُ الْأَقَانِيمِ (قَالَ): وَالصِّينِيُّونَ يَعْبُدُونَ بُوذَهْ وَيُسَمُّونَهُ (فُو) وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ كَمَا تَقُولُ الْهُنُودُ.
وَذَكَرَ رَمْزَهُمْ (أ. و. م).
وَقَالَ دُوَانْ (فِي ص172 مِنْ كِتَابِهِ خُرَافَاتِ التَّوْرَاةِ إِلَخْ): وَأَنْصَارُ لَاوْكُومِتْذَا الْفَيْلَسُوفِ الصِّينِيِّ الْمَشْهُورِ، وَكَانَ قَبْلَ الْمَسِيحِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (604) يَدْعُونَ شِيعَةَ تَاوُو وَيَعْبُدُونَ إِلَهًا مُثَلَّثَ الْأَقَانِيمِ، وَأَسَاسُ فَلْسَفَتِهِ اللَّاهُوتِيَّةِ أَنَّ تَاوُو وَهُوَ الْعَقْلُ الْأَوَّلُ الْأَزَلِيُّ انْبَثَقَ مِنْهُ وَاحِدٌ، وَمِنَ الثَّانِي انْبَثَقَ ثَالِثٌ، وَعَنْ هَذَا الثَّالِثِ انْبَثَقَ كُلُّ شَيْءٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ بِالتَّوَلُّدِ وَالِانْبِثَاقِ أَدْهَشَ الْعَلَّامَةَ مُورِيسْ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ وَثَنِيٌّ.
3- التَّثْلِيثُ عِنْدَ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ:
قَالَ دُوَانْ فِي ص473 مِنْ كِتَابِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا: وَكَانَ قِسِّيسُو هَيْكَلِ مَنْفِيسَ بِمِصْرَ يُعَبِّرُونَ عَنِ الثَّالُوثِ الْمُقَدَّسِ لِلْمُبْتَدِئِينَ بِتَعَلُّمِ الدِّينِ، بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَوَّلَ خَلَقَ الثَّانِيَ، وَهُمَا خَلَقَا الثَّالِثَ، وَبِذَلِكَ تَمَّ الثَّالُوثُ الْمُقَدَّسُ. وَسَأَلَ تُولِيسُو مَلِكُ مِصْرَ الْكَاهِنَ تِنِيشُوكِي أَنْ يُخْبِرَهُ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَحَدٌ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهَلْ يَكُونُ بَعْدَهُ أَحَدٌ أَعْظَمُ مِنْهُ؟ فَأَجَابَهُ الْكَاهِنُ: نَعَمْ، يُوجَدُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ وَهُوَ اللهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ الْكَلِمَةُ، وَمَعَهُمَا رُوحُ الْقُدُسِ؛ وَلِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ طَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُمْ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ، وَعَنْهُمْ صَدَرَتِ الْقُوَّةُ الْأَبَدِيَّةُ، فَاذْهَبْ يَا فَانِي، يَا صَاحِبَ الْحَيَاةِ الْقَصِيرَةِ.